بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله وحده، و صلاته وسلامه على نبينا محمد و آله و صحبه، و على من تمسك بهديه، و استقام على طريقته، الى يوم الدين.(1)
أما بعد
فهذه رسالتنا اليوم و موضوعها إثبات أن:
"صلاة العيدين في المصلى خارج البلد هي السنة"
وقد كنت فكرت في أن اجعلها رسالة جامعة لأحكام صلاة العيدين، على نحو رسالة "صلاة التراويح"، و لكن الوقت أدٌاركني، حيث لم يبق لعيد الفطر (2) الا بضعة أيام، و لذلك فإني اضطررت لحرصها في هذا الموضوع الذي ذكرت، راجياً من الله تبارك و تعالى أن ييسر لي قريباً إخراج الرسالة الجامعة و نشرها على الناس، آملاً أن يتقبلوا رسائلنا بقبول حسن، عسى أن أحظى منهم بدعوة صالحة في الغيب، تنفعني إن شاء الله ( يوم لا ينفع مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم). سورة الشعراء، الآيتان (88-89)
فاعلم أيها القارئ الكريم: أن اولئك المؤلفين كانوا سودوا في رسالتهم "الاصابة" صفحتين كبيرتين (14-15) "حول موضوع صلاة العيد في المصلى" تناقضوا فيها تناقضاً مخزياً، يتبين القارئ منه "مبلغهم من العلم"! و قد كانوا افتروا علينا في رسالتهم تلك، فزعموا أننا نقول: ان صلاة العيد في المساجد لا تصح!
فقد قالوا: " و السبب في اختيار النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاتها في المصلى لعدم (كذا) توفر الأسباب في المدينة المنورة حيث لا يوجد في المدينة سوى مسجد واحد".
وهذا جهل بالغ فالمساجد التي كانت في المدينة في عهده صلى الله عليه و سلم كثيرة معروفة أشهرها "مسجد قباء"، و "مسجد القبلتين"، و "مسجد الفتح". و في هذه المساجد آثار صحيحة كثيرة في كتب السنة، و ذكر الحافظ في "الفتح" (1/445) مساجد أخرى بأسمائها، فليرجع اليه من شاء.
وقصدهم من هذه الدعوى الباطلة التوسل إلى تعطيل سنة صلاة العيد في المصلى، باختلاق هذه العلة الكاذبة، و هي: "أن المدينة لم يكن فيها سوى مسجده صلى الله عليه و سلم. و هو بزعمهم لا يتسع للمصلين صلاة العيد!
فها نحن قد اثبتنا بطلان هذه العلة ببطلان الدعوى من أصلها، وحينئذ نقول:
لو فرضنا أن المسجد النبوي كان لا يتسع لهم فكان يمكنهم أن يصلوا في تلك المساجد الكثيرة، كما يفعل الناس اليوم، فتركهم الصلاة فيها إلى الصلاة في المصلى، دليل واضح على أن السنة الصلاة فيه دون المساجد، تثبت المراد، و بطل ما قصدوا اليه من التعطيل!
ثم قالوا:
"ولما كثر المسلمون حتى تعذر على المسلمين اجتماعهم في المصلى، خصوصاً في المدن الكبرى كدمشق لكثرة المصلين، فصاروا يجتمعون في المساجد حسب الحاجة"!
قلت: انظر أيها القارئ الكريم الى هذا المنطق المعكوس! حيث جعلوا اجتماع المسلمين في المصلى متعذراً مع أنه سهل متيسر، و الدليل عليه أنه جرى العمل به في معظم الأمصار كما قال الامام النووي في "شرح مسلم"، و سيأتي نص كلامه في "دلالة الأحاديث على أن السنة الصلاة في المصلى".
والى اليوم لا تزال هذه السنة قائمة بفضل الله في كثير من البلاد الإسلامية كدمشق و الأردن و مصر والجزائر و الباكستان و غيرها.
ثم أي حاجة في تفريق جماعة المسلمين في هذه المساجد الكثيرة الكبيرة منها و الصغيرة المنبثة في كل مكان، و التي يقرب بعضها من بعض، احياناً الى درجة أنه لا يوجد بينها الا مسافة خمسين خطوة أو أقل!
ولو أن هؤلاء المؤلفين قيدوا كلامهم بالصلاة في المسجد الواحد الأكبر لكان لهم سلف في هذا القول، كما سيأتي عن الإمام الشافعي رحمة الله.
و لكنهم لا يتحرجون من أن يقولوا ما لم يقله مسلم قبلهم البتة، في سبيل محاربة السنة! و إلا فالمسلمون متفقون جميعاً على أن الصلاة في المصلى هو السنة إذا لم يسعهم المسجد، و جمهورهم لم يقبلوا هذا الشرط بل قالوا: و لو وسعهم المسجد، فقد خالفوا بجهلهم جميع المسلين سلفهم وخلفهم، و الله تعالى يقول:
(و من يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى و يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى و نصله جهنم و ساءت مصيراً) سورة النساء (115)، فالسنة السنة أيها الناس!
ثم قالوا: "… حسب الحاجة لفعل النبي صلى الله عليه و سلم حين صلى في المسجد للعذر" ثم ذكروا في التعليق حديث أبي هريرة في صلاته صلى الله عليه وسلم في المسجد لعذر المطر.
و الجواب أن حديث أبي هريرة – لوصح- حجة لنا لأن مفهومه أنه لولا عذر المطر لصلى في المصلى: وهذا لا يخالف فيه مسلم غيركم، فإن كلامكم السابق ينصب كله على القول بأن الصلاة في المصلى غير مشروعة الآن، لأنه متعذر بزعمكم، و قد رددنا عليكم، فعاد الحديث حجة عليكم لا لكم، و هذا كله يقال لو صح الحديث، وهو غير صحيح، بل اسناده ضعيف كما سيأتي بيانه.
وسائر كلامكم هراء لا يستحق جواباُ، إلا قولهم بعد أن ساقوا الحديث الأول عن أبي سعيد الآتي، و حديث أبي هريرة:
"فيستفاد من الحديثين أنها تصح بالمصلى، و في المسجد، و ان كلاً فيه ثواب.
كما أنه يستفاد من الحديث الأول ان الأفضل صلاتها في الصحراء لمواظبة النبي صلى الله عليه و سلم على ذلك".
قلت: فانظر اليهم أيها القارئ الكريم كيف عادوا إلى الصواب الذي ندعوا إليه، و بذلك نقضوا معنا كلامهم السابق، و لكن اتظن انهم يستقرون عليه؟ لا، فقد عادوا من حيث بدؤوا فقالوا: بعد أن نقلوا عن الحافظ ابن حجر كلام الإمام الشافعي الآتي قالوا:
"فمن أمعن النظر فيما تقدم مع حديث البخاري (3) عن أم عطية: " أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن تخرجهن في الفطر و الأضحى العواتق، و الحيض و ذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة".
و في لفظ " المصلى و يشهدن الخير، و دعوة المسلمين".
علم أن السبب في مواظبة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصلاة في المصلى "هو: أما كون مسجده صلى الله عليه وسلم لا يتسع للرجال و النساء في ذلك اليومين، أو أن المسجد لا يصلح لحضور الحيض".
أقول: لقد تأملنا هذا الكلام كله فوجدناه لا طائل تحته كسائر كلامهم!
فاننا لو سلمنا أن مسجده صلى الله عليه وسلم كان لا يتسع للرجال و النساء، فإن الأمر كذلك في مساجدنا لا يتسع واحد منها لجميع المصلين، فحينئذ يبقى مشروعية الخروج الى المصلى ساري المفعول، وهذا هو المطلوب.
ثم إذا كان المسجد لا يصلح عندهم لحضور الحيض، فهو اعتراف منهم بأن المصلى يصلح لحضورهن، فاذا التزموا الصلاة في المسجد فقد منعوهن من أن "يشهدن الخير و دعوة المسلمين".
و هذا خلاف أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم في الحديث الذي عزوه للبخاري، فالحديث من أدلتنا على أن الصلاة ينبغي أن تكون في المصلى لا في المسجد، لأن المسجد مهما كبر لا يمكن أن يتسع لحضور جميع الجنسين فيه باعترافهم؟
ومن حججنا عليهم قولهم: "وكانت تخرج النساء للمصلى حتى الحيض تكبر بتكبيرهم".
فإننا نسألهم كيف يمكن لكم تحقيق هذه السنة في المساجد؟! لا سبيل لكم الى ذلك إلا بأن تمنعوهن من الحضور مطلقاً، وهذا خلاف أمره صلى الله عليه و سلم كما سبق. وأما أن تأمروهن بالحضور خارج المسجد ومن وراء أسواره و حيطانه فكيف يمكنهن و الحالة هذه أن يكبرن بتكبيرهن؟!
فتأمل ايها الأخ المسلم ما يفعله الجهل بصاحبه، و اعتبر.
(تنبيه) لقد تبين مما نقلناه عن أولئك المؤلفين أنهم يقولون بمشروعية خروج النساء الى المصلى ولو كن شابات لأنهن (العواتق)، فاحفظ هذا فأنه ربما يأتي يوم يبادر هؤلاء المؤلفين الى انكار ما اعترفوا به إذا رأوا انصار السنه قد عملوا بذلك حسداً و بغياً من عند أنفسهم!
هذا ونحن و إن كنا نحض النساء على حضور جماعة المسلمين تحقيقاً لأمر سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، فلا يفوتنا أن نلفت نظرهن و نظر المسؤولين عنهن الى وجوب تقيدهن بالحجاب الشرعي الذي لا يبيح لهن أن يبدين من بدنهن إلا الوجه و الكفين على ما فصلته في كتابي "حجاب المرأه المسلمه في الكتاب و السنة"، و الله تبارك و تعالى يقول: "يا أيها النبي قل لأزواجك و بناتك و نساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين، و كان الله غفوراً رحيماً". سورة الأحزاب، الآية 59. مع تصريحنا هناك بأن الأفضل لهن أن يسترنهما أيضاً، خلافاً لما نسبه إلي بعض المؤلفين ا لذين لا يخشون رب العالمين.
وقد يستغرب البعض القول بشروعية خروج النساء الى المصلى لصلاة العيدين، فليعلم: أن هذا هو الحق الذي لا ريب فيه، لكثرة الأحاديث الواردة في ذلك، و حسبنا الأن حديث أم عطية المتقدم فإنه ليس دليلاً على المشروعية فقط بل و على و دجوب ذلك عليهن لأمر صلى الله عليه و سلم به، و الأصل في الأمر الوجوب، و يؤيده ما روى ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/184) عن أبي بكر الصديق انه قال: "حق على كل ذات نطاق (شبه إزار فيه تكه) الخروج الى العيدين" وسنده صحيح. فهل يقول بهذا من زعم الانتصار للخلفاء الراشدين و قد قال به أولهم كما تراه مخرجاً مصححاً؟ ذلك ما لا نظنه بهم فليخطؤوا ظننا هذا -و هو الأحب إلينا- و إلا فقد تبين للناس غرضهم من انتصارهم المزعوم.
و القول بالوجوب هو الذي استظهره الصنعاني في "سبل السلام" و الشوكاني، و صديق خان، و هو ظاهر كلام ابن حزم، و كأن ابن تيمية قد مال اليه في "اختياراته" و الله اعلم. الأولى(4)
خلاصتها أننا نقول:
إن السنة صلاة العيد في المصلى، مع جوازها في المساجد، و وعدت هناك بتحقيق القول في هذه الرسالة.
فقد جاء أوان الوفاء بذلك فأقول:
(1) كان استاذنا المحدث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، قد قدم لهذه الرسالة بكلام يتعلق بالرد على رسالة "الاصابه" و ما فيها من جهل و ضلالات و افتراءات على اتباع السنه. و عن "صلاة التراويح". و أنها احدى عشر ركعة. و قد اقتصرنا على الموضوع الخاص بصلاة العيدين في المصلى. (زهير)
(2) هذا في طبعتها الأولى سنة 1373 بدمشق و كذلك ادركنا الوقت بهذه -الطبعة- فلم نستطع الاتصال مع الاستاذ المؤلف لعله يزيد عليها. و لكن قدر الله و ما شاء فعل، و نرجوا ان يستدرك ذلك لنعيد طبعها قريباً إن شاء الله (زهير)
(3) قلت: عزوه للبخاري باللفظ الآتي خطأ، و إنما لمسلم (3/20-21-استانبول)
(4) هي رسالته "من تسديد الاصابه الى من زعم نصرة الخلفاء الراشدين و الصحابة"(زهير)
ــــــــــــــــــــ
مواظبته صلى الله عليه وسلم على صلاة العيد في المصلى و الأحاديث في ذلك
ذكر غير واحد من الحفاظ المحققين "ان هديه صلى الله عليه وسلم في صلاة العيدين كان فعلهما في المصلى دائماً "(1).
و يؤيد هذا الأحاديث الكثيرة التي وردة في ذلك في الصحيحين و السنن و المسانيد و غيرها من طرق كثيرة جداً، فلا بد من ذكر شيئ منها في هذه العجالة حتى يتبين القارئ الكريم صواب ما ذكرته فأقول:
الحديث الأول:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر و الأضحى الى المصلى (2)، فأول شيئ يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس، و الناس جلوس على صفوفهم، فيعظهم و يوصيهم و يأمرهم، فإن كان يريد أن يقطع بعثاً قطعه (3)، أو يأمر بشيئ أمر به ثم ينصرف، قال ابو سعيد: فلم يزل الناس على ذلك …".
رواه البخاري (2/259-260) و مسلم (3/20) و النسائي (1/234) و المحاملي في "كتاب العيدين" (ج 2 رقم 86 من نسختي بخطي) و أبو نعيم في "مستخرجه" (2/10/2) و البيهقي في سننه (3/280).
الحديث الثاني:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "كان صلى الله عليه و سلم يغدو الى المصلى في يوم العيد، و العنزة (4) تحمل بين يديه، فاذا بلغ المصلى نصبت بين يديه، فيصلي اليها وذلك أن المصلى كان فضاء ليس فيه شيئ يستتر به".
رواه البخاري (1/354) ومسلم (2ظ55) و أبو داود (1/109) و النسائي (1/232) و ابن ماجه (1/392) و أحمد (رقم 6296) و اللفظ لابن ماجه، وهو أتم و سنده صحيح، وكذلك رواه المحاملي في (2 رقم 26-36) و أبو القاسم الشحامي في "تحفة العيد" (رقم 14-16 من نسختي بخط ابني) و البيهقي (3/284-285).
الحديث الثالث:
عن البراء بن عازب قال: "خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم أضحى الى البقيع (5) (وفي رواية: المصلى) فصلى ركعتين، ثم أقبل علينا بوجهه و قال: "إن أول نسكنا (6) في يومنا هذا أن نبدأ بالصلاة ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك. فقد وافق سنتنا، ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو شيئ عجّله لأهله، ليس من النسك في شيئ".
رواه البخاري (2/372) و السياق له، و أحمد (4/282) و المحاملي (2 رقم 90، 96) والرواية الأخرى لهما بسند حسن.
الحديث الرابع:
عن ابن عباس قيل له: اشهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم، قال: نعم، ولولا مكاني من الصغر ما شهدته، حتى أتى العلم الذي عند دار كثير بن الصلت (7) فصلى، ثم خطب، ثم أتى النساء ومعه بلال فوعظهن وذكّرهن و أمرهن بالصدقه (
، فرأيتهن يهوين بأيديهن يقذفنه في ثوب بلال، ثم انطلق هو و بلال الى بيته".
اخرجه البخاري (2/373) و السياق له ومسلم (2/18-19) و ابن أبي شيبه (2/3/2)، و المحاملي (رقم 38، 39) و الفريابي (رقم 85، 93) و أبو نعيم في "مستخرجه" (2/8/2-9/1) و زاد مسلم في روايته عن ابن جريج:
"قلت: لعطاء أحقاً على الامام الآن ان يأتي النساء حين يفرغ فيذكرهن؟ قال: إي لعمري إن ذلك لحق عليهم، و ما لهم لا يفعلون ذلك؟!"
(1) انظر "زاد المعاد" (1/172) و "فتح الباري" (2/361) و سيأتي كلامه في ذلك قريباًًً. و "مختصر زاد المعاد" للشيخ محمد بن عبد الوهاب صفحة 44 تحقيق زهير الشاويش طبع المكتب الاسلامي.
(2) قال الحافظ: "هو موضع بالمدينة معروف، بينه و بين باب المسجد ألف ذراع".
وقال ابن القيم: "وهو المصلى الذي يوضع فيه محمل الحاج".
قلت: ويبدو أنه كان الى الجهة الشرقية من المسجد النبوي، قريباً من مقبرة البقيع كما يستفاد من الحديث الثالث الآتي.
(3) أي يخرج طائفة من الجيش الى جهة من الجهات . "فتح".
قلت: وفيه اشاره قوية الى أن خطبة العيد ليست محصورة في الوعظ و الارشاد فقط، بل انهما تشمل التذكير و التوجيه الى كل ما فيه تحقيق مصالح الأمة.
(4) في "النهاية": " العنزه مثل نصف الرمح وأكبر شيئاً، و فيها سنان مثل سنان الرمح، و العكازه قريب منها".
(5) وهو بقيع الغرقد: و سمى لما كان فيه من أصول شوك العوسج، وهو مقبرة المدينة. و في المدينة أكثر من بقيع ولكن المشهور هو بقيع الغرقد. (زهير)
(6) النسك: الطاعة و العبادة. "النهاية"
(7) قال الحافظ: "التعرف بالمصلى بكونه عند دار كثير بن الصلت على سبيل التقريب للسامع، و إلا فدار كثير بن الصلت محدثة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، و ظهر من هذا الحديث: أنهم جعلوا لمصلاه شيئاً يعرف به، وهو المراد بالعَلَم -وهو بفتحتين- الشيء الشاخص".
(
واما الان فلا لزوم للموعظة الخاصة بالنساء لأنهن شقائق الرجال و الخطاب و الموعظة واحدة للرجال و النساء، و كذلك لوجود مكبرات الصوت المتعددة في كل مسجده وجامع. و يؤتى بها -عادة- في مصليات العيد.
نعم و يطلب من الخطيب ان يراعي مصلحة النساء بأنواع هن احوج اليها من الرجال، في خطبته الجامعة. (زهير).
ـــــــــــــــــــ
دلالة الأحاديث على أن السنة الصلاة في المصلى
إذا عرفت هذه الأحاديث فهي حجة قاطعة على أن السنة في صلاة العيدين ان تؤدى في المصلى، و بذلك قال جمهور العلماء ففي "شرح السنة" للامام البغوي:
"السنة ان يخرج الامام لصلاة العيدين، إلا من عذر، فيصلى في المسجد" (1)، أي: مسجد داخل البلد.
وقال الامام محيي الدين النووي في "شرح مسلم" عند الكلام على الحديث الأول:
هذا دليل لمن قال باستحباب الخروج لصلاة العيد الى المصلى، و أنه أفضل من فعلها في المسجد، و على هذا عمل الناس في معظم الأمصار، و أما أهل مكة فلا يصلونها الا في المسجد من الزمن الأول، و لأصحابنا و جهان:
أحدهما: الصحراء افضل، لهذا الحديث.
و الثاني وهو الأصح، عند اكثرهم: المسجد أفضل إلا أن يضيق.
قالوا: و إنما صلى أهل مكة في المسجد لسعته، و إنما خرج النبي صلى الله عليه وسلم الى المصلى لضيق المسجد، فدل على أن المسجد أفضل إذا تسع" (2) .
(1) كما قال الشيخ على القاري في "المرقاة" (2/245) وانظر "شرح السنة" (4/294) طبع المكتب الاسلامي بتحقيق شعيب الارناؤوط و زهير الشاويش.
(2) بل علل الأكثر بأن وضع مكّة شرفها الله بين الجبال، و لذلك لا يوجد فيها ساحة قريبة من المساكن اقرب من ساحة البيت الحرام... وهو وجه له قبول.
واما التعليل بالفضل فلا يقبل: لأن مسجده صلى الله عليه وآله و سلم له فضيلة صحيحة... ومع ذلك لم يصل به إلا من عذر. (زهير)
ـــــــــــــــــــ
الدعوة الى السنة تفريقاً للجماعة و صدق من قال: رمتني بدائها و انسلت!