بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
{يا أيها الذين آمنوا إتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}.
{يا أيها الناس إتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيراً ونساء وإتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً}.
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً}.
وبعد:
فقد اعتاد المصلون في بلادنا فلسطين أن يصلوا صلاة الغائب في مناسبات كثيرة عند وفاة شخص أو أشخاص في بلاد أخرى. وقد رأيتهم يصلون صلاة الغائب على الشهداء الذين يستشهدون في أماكن اخرى فرغبت أن أدرس صلاة الغائب دراسة علمية متأنية فرجعت إلى كتب السنة المشرفة فجمعت الأحاديث التي ذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الغائب وأوردت كلام أهل الحديث عليها.
وتبين لي بعد البحث والتنقيب أنه لم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه صلى صلاة الغائب الا صلاته عليه الصلاة والسلام على النجاشي وما عدا ذلك فغير ثابت عند المحدثين أهل هذا الشأن، وأتبعت ذلك بدراسة صلاة الغائب عند الفقهاء فذكرت أقوال الفقهاء فيها وأدلتهم وردودهم ورجحت ما أيده الدليل فيما ظهر لي.
ثم ذكرت بعض المسائل الفقهية المتعلقة بصلاة الغائب مثل صلاة الغائب على الشهداء وقدمت لهذه الدراسة بتمهيد موجز ذكرت فيه ما ينبغي على المسلم من الاستعداد للموت وكراهة تمني الموت والصبر عند الموت وذكرت أنه يندب للمسلم حضور الجنازة وتشييعها. ثم عرفت صلاة الجنازة وبينت أن صلاة الغائب هي صلاة الجنازة مع كون الميت غير حاضر أمام المصلين.
وأخيراً فإني أشكر أهل الخير الذين طبعوا هذا الكتاب على نفقتهم وأسأل الله العلي العظيم أن يجزيهم خير الجزاء وأن يتقبل منا ومنهم صالح الأعمال.
وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه الدكتور حسام الدين موسى عفانة
أبوديس - القدس.
فجر يوم الأربعاء الخامس عشر من شعبان 1417هـ.
وفق الخامس والعشرين من كانون الأول 1996.
تمهيد
الموت حق:-
الموت حق وصدق قدره الله سبحانه وتعالى على كل نفس، وهو سيف مسلط على رقاب العباد لا ينجو منه أحد، قال الله تعالى {كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا الى متاع الغرور} سورة آل عمران الآية 185.
وقال جل جلاله {كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون} سورة الانبياء الآية 35.
وقال أيضاً {كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون} سورة العنكبوت الآية 57.
وهذه الحقيقة القاطعة مسلمة لا شك ولا ريب فيها ويتساوى فيها الناس جميعاً الأنبياء وغيرهم، الصالحون والفاسدون، المؤمنون والكافرون قال تعالى مخاطباً نبينا محمد صلى الله عليه وسلم {إنك ميت وإنهم ميتون } سورة الزمر الآية 30.
وسيقبض ملك الموت روح كل انسان عند انتهاء أجله بغض النظر عن مكانه قال تعالى {قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بم ثم الى ربكم ترجعون} سورة السجدة الآية 11.
وقال تعالى {أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة} سورة النساء الآية 78.
الاستعداد للموت:-
إن الانسان في هذه الدنيا كالشخص المسافر الذي يستعد لسفره بإعداد أمتعته وأطعمته وحاجياته والمسلم يستعد للسفر من هذه الدنيا التي هي معبر وممر الآخرة دار المقام والمقر فلا بد له من الاستعداد الدائم للموت ومما يعين على ذلك الاستعداد تذكر الموت فقد ورد في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (أكثروا من ذكر هادم اللذات الموت) رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وقال الشيخ الألباني حسن صحيح(1).
وجاء في الحديث عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم لأصحابه:
استحيوا من الله حق الحياء. قالوا: إنا نستحي من الله يا نبي الله، والحمد لله. قال: ليس ذلك ولكن من استحيى من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى وليحفظ البطن وما حوى وليذكر المو ت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيى من الله حق الحياء) رواه أحمد والترمذي وقال هذا حديث غريب ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وقال الشيخ الألباني : حسن (2).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- صحيح سنن الترمذي 2/266، صحيح سنن النسائي 2/393، صحيح سنن ابن ماجة 2/419 شرح السنة 5/261 مشكاة المصابيح 1/504.
2- إنظر الفتح الرباني 19/90 مشكاة المصابيح 1/504 صحيح سنن الترمذي 2/266.
وورد في الأثر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: كفى بالموت واعظاً وكفى باليقين غنى وكفى بالعبادة شغلاً (1) .
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: من أكثر ذكر الموت قلَ حسده وقلَّ فرحه.(2).
ومن الأمور التي تذكر بالموت زيارة القبور فإن الزائر للقبور يتعظ بذلك ويتذكر أن حاله سيصير كحال أصحاب القبور فقد ورد في الحديث عن بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إني كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة ولتزدكم زيارتها خيراً فمن أراد أن يزور فليزر ولا تقولوا هجراً) رواه مسلم وأبو داود وأحمد وغيرهم (3).
وقوله ولا تقولوا هجراً أي كلاماً باطلاً(4).
وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها ترق القلب وتدمع العين وتذكر الآخرة ولا تقولوا هجرا) رواه أحمد والحاكم وسنده حسن كما قال الشيخ الألباني)(5).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- شرح السنة 5/266.
2- المصدر السابق.
3- صحيح مسلم بشرح النووي 7/40 عون المعبود 9/41 الفتح الرباني 8/158.
4- أحكام الجنائز ص 178.
5- المصدر السابق ص180 وانظر الفتح الرباني 8/158.
كراهية تمني الموت:-
ومع أن المسلم مطالب بالاستعداد للموت إلا انه يكره في حقه تمني الموت تخلصاً من مصاعب الحياة وهمومها فقد ورد في الحديث عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {لا يتمنين أحدكم الموت من ضرٍ أصابه فإن كان لا بد فاعلاً فليقل اللهم أحيني ما دامت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً" رواه البخاري ومسلم(1).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال "لا يتمنى أحدكم الموت إما محسناً فلعله أن يزداد خيراً وإما مسيئاً فلعله أن يستعتب" رواه البخاري(2).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن، الرسول صلى الله عليه وسلم قال "لا يتمنى أحدكم الموت ولا يدع به قبل أن يأتيه إنه إذا مات أنقطع عمله وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيراً" رواه مسلم(3).
قال الامام النووي بعد أن ساق حديث أنس "فيه التصريح بكراهة تمني الموت لضر نزل به من مرض او فاقة او محنة من عدو أو نحو ذلك من مشاق فأما إذا خاف ضرراً في د ينه أو فتنة فيه فلا كراهة فيه لمفهوم هذا الحديث وغيره. وقد فعل هذا الثاني خلائق من السلف عند خوف الفتنة في أديانهم"(4).
ويطلب من المسلم إذا نزل به الموت أن يتلقاه بالرضى والسرور حباً للقاء الله عز وجل كما قال المنذري(5) لما ثبت في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال "من أحب لقاء الله أحب الله لقائه ومن كره لقاء الله كره الله لقائه. فقلت يا نبي الله أكراهية الموت فكلنا يكره الموت؟ قال ليس ذلك ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله وكره الله لقاءه " رواه البخاري ومسلم (6).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- صحيح البخاري مع الفتح 12/232 صحيح مسلم مع شرح النووي 17/179.
2- صحيح البخاري مع الفتح 12/234-235.
3- صحيح مسلم مع شرح النووي 17/180.
4- شرح النووي على صحيح مسلم 17/179.
5- الترغيب والترهيب 4/232.
6- صحيح البخاري مع الفتح 14/145 وصحيح مع شرح النووي 17/180.